إن مما جرت به التجارب في الحياة الدنيا أن يهتدي الخلف بالسلف ويسترشد الضعيف بالقوي, والجاهل بالعالم, والفضل كله بيد الله يؤتيه من يشاء. وماقدره كان وما لم يقدره لم يكن. والحياة الدنيا مليئة بالمكاره, فكيف نتوقاها ونحياها حياة طيبة كريمة خالية من المنغصات والمكدرات؟ إن الطاعة تحقق القرب وبها يصل المطيع إلي لذة الحب في انس الله وكرمه. لكن المعرض عن طاعة الله وذكره تصير حياته في ضنكا من العيش, قل صدق الله القائل: ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمي قال ربي لم حشرتني اعمي وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسي.[ طه:124 ـ126].
* وقد يؤتي عبد أقوي الأسباب ليحيا الحياة الطيبة ـ ولاينتفع منها بشيء ويعيش حياته مغموما مهموما بائسا تعيسا ودنياه في ادبار فوق أنه يكون من أهل النار..!
وتأتي السعادة لأناس في حياة ملؤها الرضا والقبول. ودنياه في إقبال فوق أن عاقبته النعيم والرضوان..!! فأبو لهب من أعمام رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ومعذلك باعراضه وصدوده وكفره برسول الله طرده الله من رحمته ومنعه جنته ولحقته لعنة الله دنيا وأخري سيصلي نارا ذات لهب وشتان بينه وبين من اسبغ الله عليهم نعمته فسعدوا بطاعته وطاعه رسوله.. أمثال.. صهيب الرومي, وسليمان الفارسي..!
حيث قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ سلمان منا آل البيت ـ تكريم وتشريف أن ينتسب سلمان الفارسي إلي آل بيت رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ حظوة وحبا ـ بينما انسلخ ـ آل بيته ـ صلي الله عليه وسلم ـ أبو لهب بن عبد المطلب ـ والعياذ بالله ـ حقيقة ـ قل صدق الله القائل: ومالحياة الدنيا إلا متاع الغرور والمأثور عن رسول الله وصحابته ـ رضوان الله عليهم جميعا ـ من بطؤ به عمله لم يسعفه نسبه.
* نعما ما اختبر عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ أصحابه عن الحياة الطيبة التي ينشدونها فقال لهم: تمنوا: أي اطلبوا آمنية في دنياكم, فقال أحدهم: أتمني هذا البيت مال فنستخدمه في نصرة الإسلام. فقال له عمر ليست هذه, فقال آخر: أتمني أن تملأ هذه خيل فنسيرها في سبيل الله فينتصر الإسلام.
فقال عمر: ليست هذه. فقالوا: قل لنا أنت ياأمير المؤمنين, قال: أتمني أن تملأ هذه الدار رجال كأبي عبيدة بن الجراح, وأسامة بن زيد, وخالد بن الوليد, وبلال بن رباح, يمتلكون المال والخيول فيسيرونها لنصرة الإسلام, ونعما تمنوا من حياة حافلة بالعطاء والخير لإعلاء كلمة الله بما يعود علي أنفسهم بالسعادة والهناء.. فقد كانوا رجالا.. رضي الله عنهم ورضوا عنه. يترجم هذه المعاني الشاعر العربي: والناس هذا حظه مال.. وذا علم وذاك مكارم الأخلاق.
* ما أجملها الحياة الطيبة بأهلها سماتهم القناعة والرضا.. المؤمن فيها يستيقن أن ماأصابه لم يكن ليخطئه وأن ما اخطأه لم يكن ليصيبه. وما اكرمها النفس المطمئنة مفعمة بحب الله مفعمة بحب رسول الله مفعمة بحب المؤمنين النفس المطمئنة حياتهما كشجرة وارفة الظلال كثيرة الثمار أغصانها روح وريحان فهي في نمو دائم بطاعة الله ـ يهواها الأهل والجيران.
ومن منظور إيماني تحلو الحياة وتطيب حتي تصبح واحة للمؤمن خالية من المكدرات والمنغصات فسلامتنا نستقيها من اسلامنا وأمننا نستمده من إيماننا. وصدق الله القائل: ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولاهضما.